الدكتور نعيم شرف يكتب: من مقومات خطبة الجمعة الناجحة
خطبة الجمعة شعيرة عظيمة من أجل الشعائر الإسلامية ، وأنفعها للمسلمين ؛ ولذا أوجب الشارع الاستماع إليها ، لكننا نرى تباينا واضحا بين مشايخنا الخطباء ، سواء في زمن الخطبة بين الطول والقصر ، أو في طريقة الإلقاء ، أو في اختيار الموضوعات والأطروحات ، أو التباين في قوة اللغة وبيانها .. وما إلى ذلك ، وجل هذا يعتبر من الفروق الطبيعية التي ترجع إلى عقل كل خطيب ، ومدى ثقافته ومحصوله الفكري والمعرفي ..
والمقام لا يتسع هنا إلا للتعليق على مسألة زمن الخطبة ؛ فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قصر الخطبة ، وجعل ذلك من علامات فقه الخطيب ، ومن ذلك مثلا ..حديث أبي وَائِل قال : خَطَبَنا عَمَّارٌ فأوْجَزَ وأبْلَغَ ، فلما نَزَلَ قُلْنا : يا أبَا اليَقْظانِ ، لقد أبْلَغْتَ وأوْجَزْتَ ، فلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ ، فقال : إنِّي سمِعت رَسُولَ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – يقول : ( إنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وقِصَرَ خُطْبَتِه مَئِنَّةٌ من فِقْهِه ؛ فأطِيلُوا الصَّلاةَ واقْصُرُوا الخُطْبَةَ ، وإنَّ من البَيَانِ سِحْرًا )
وحديث أبي أمامة – رضي الله عنه – أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – كان إذا بعث أميرًا قال : ( اقصر الخطبة وأقلل الكلام فإنَّ من الكلام سحرًا ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فالخطيب الذي يوجز خطبته ويراعي أحوال المخاطبين ، هو أرحب فكرا ، وأوسع ثقافة ، وأملك لناصية البيان ، وخطبته أبلغ في الأثر ، وأنفع للعظة والتذكرة ..
أما الخطيب الذي يطيل الخطبة فوق الحد ، ويزيد في البسط والتكرار ، يعيد الكلام من دون فائدة ، يشرح بملل، ويوضح الواضح، وكأنه فرح بالميكروفون ، ويقف طويلا أمام كل عنصر أو فكرة فهو خطيب عيي متأتئ ، متشقق الكلام ، يتخلل وقته الملل الذي يفضي إلى السآمة ، وتضيق منه صدور المصلين ..
إن أهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضا ، وإن خير الكلام ما قل ودل ، وكثير من الخطباء _ للأسف الشديد _ لا يراعون اختلاف أحوال الناس في الجوامع والمساجد من حر شديد ، أو برد قارس ، أو زحام ، أو مرض ، أو زمن امتحانات .. أو ما إلى ذلك .
يا أيها الخطباء : ثمة فرق كبير بين خطبة الجمعة والمحاضرة أو الندوة أو الدرس الذي يتطلب الشرح والبسط والإطناب ، والوقوف أمام كل العناصر والأفكار .. واعلموا أن الخطبة يجب ألا تتجاوز كلمات قليلة تشتمل على القضايا الواقعية والمشاكل المعاصرة ، وعلى التذكرة والتبصرة وترقيق القلوب .. أقول قولي هذا وأفوض أمري إلى الله تعالى وأستغفره لي ولكم .
أ. د / نعيم شرف، أستاذ أصول اللغة والوكيل السابق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فرع دمياط الجديدة .